فصل: مناسبة الآيتين لما قبلهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} والعبد الحقيقي من يكون حرًا عن الكونين وهو محمد صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «أمتي أمتي» يوم يقول كل نبي «نفسي نفسي»، ولأنه هو الذي صحح نسبة العبودية كما ينبغي أطلق عليه اسم العبد مطلقًا وقيد لسائر الأنبياء كما قال: {عبده زكريا} [مريم: 2]، {واذكر عبدنا داود} [ص: 17]، ولأنه كان خلقه القرآن قيل: {ولم يجعل له} أي لقلبه {عوجًا} لا يستقيم فيه القرآن، ومن استقامة قلبه نال ليلة المعراج رتبة {فأوحى إلى عبده ما أوحى} [النجم: 10] بلا واسطة جبرائيل، ونال قلبه الاستقامة بأمر التكوين بقوله: {فاستقم كما أمرت} [هود: 112] {أجرًا حسنًا}. هو التمتع من حسن الله وجماله. {لعلك باخع نفسك} كان من عادته عليه الصلاة والسلام أن يبالغ في المأمور به حتى ينهى عنه، بالغ في الدعوة والشفقة على أمته حتى قيل له لا تبخع نفسك، وبالغ في الإنفاق إلى أن أعطى قميصه فقعد عريانًا فنهى عنه بقوله: {ولا تبسطها كل البسط} [الإسراء: 29] {إنا جعلنا ما على الأرض زينة} أي زينا الدنيا وشهواتها للخلق ملائمًا لطبائعهم وجعلناها محل ابتلاء للمحب وللسائل {لنبلوهم أيهم أحسن عملًا} في تركها ومخالفة هوى نفسه طلبًا لله ومرضاته. ثم أخبر عن سعادة السادة الذين أعرضوا عن الدنيا وأقبلوا على المولى بقوله: {أم حسبت} ومعناه لا تعجب من حالهم فإن في أمتك من هو أعجب حالًا منهم، ففيهم أصحاب الخلوات الذين كهفهم بيت الخلوة، ورقيمهم قلوبهم المرقومة برقم المحبة فإنهم أووا إلى الكهف خوفًا من لقاء دقيانوس وفرارًا منه، فهؤلاء أووا إلى الخلوة شوقًا إلى لقائي وفرارًا إليّ. وإنهم طلبوا النجاة من شر. والخروج من الغار بالسلامة بقولهم {ربنا آتنا} الآية. فهؤلاء طلبوا الخلاص من شر نفوسهم والخروج من ظلمات الغار المجازي للوصول إلى نور الوجود الحقيقي. {فضربنا} على آذان باطنه وحواسهم الآخر في مدة الخلوة لمحو النقوش الفاسدة عن ألواح نفوسهم وانتقاشها بالعلوم الدينية والأنوار الإلهية ليفنيهم الله عنهم ويبقيهم به وهو سر قوله: {ثم بعثناهم} أي أحييناهم بنا {لنعلم أي الحزبين} أصحاب الخلوة أم أصحاب السلوة: {أحصى} أي أكثر فائدة وأتم عائدة لأمد لبثهم في الدنيا التي هي مزرعة الآخرة {وزدناهم هدى} فإنهم كانوا يريدون الإيمان الغيبي فأنمناهم {ثم بعثناهم} حتى صار الإيمان إيقانًا والغيب عيانًا {اتخذوا من دونه آلهة} من الدنيا والهوى. {وترى الشمس إذا طلعت}.
قال الشيخ المحقق نجم الدين: المعروف: بداية هذا أخبار من أصناف ألطافه بأضيافه، وفيه إشارة إلى أن نور ولايتهم يغلب نور الشمس ويرده عن الكهف كما يغلب نور المؤمن نار جهنم لقول صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن إذا ورد النار تستغيث النار وتقول: حزبًا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي» {وهم في فجوة منه} في متسع وفراغ من ذلك النور يدفع عنهم كل ضر ويراعيهم عن بلى أجسادهم وثيابهم. قلت: يحتمل أن يراد أن شمس الروح أو المعرفة والولاية إذا طلعت من أفق الهداية وأشرقت في سماء الواردات- وهو حالة السكر وغلبات الوجد- لا تنصرف في حال خلوتهم إلى أمر يتعلق بالعقبى وهو جانب اليمين {وإذا غربت} أي سكنت تلك الغلبات وظهرت حالة الصحو لا تلتفت همم أرواحهم إلى أمر يتعلق بالدنيا وهو جانب الشمال، بل تنحرف عن الجهتين إلى المولى وهم في حال دفاع وفراغ ما يشغلهم عن الله {وتحسبهم إيقاظًا} متصرفين في أمور الدنيا {وهم رقود} عنها لأنهم يتصرفون فيها لأجل الحق لا لحظ النفس، أو تحسبهم أيقاظًا مشغولين بأمور الآخرة لأن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، وهم رقود متصرفون في أمور الدنيا لأن الناس بهم يرزقون ويمطرون.
وفي قوله: {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} إشارة إلى أنهم في التسليم لمقلب القلوب في الأحوال كلها كالميت بين يدي الغسال. قيل: في الآية دلالة على أن المريد الذي يربيه الله بلا واسطة المشايخ تكامل أمره في ثلثمائة وتسع سنين، والذي يربيه بواسطتهم تم أمره في أربعينات معدودة ولهذا تكون ثمرة البساتين الزهر وثمرة الجبال وفي قوله: {وكلبهم باسط} إشارة أن أكلب نفوسهم نائمة معطلة عن الأعمال بها. ربيت القلوب والأرواح معنى أن هذا النوع من التربية من قبيل القدرة الإلهية التي اختصهم بها، ويمكن أن يراد أن نفوسهم صارت بحيث تطيعهم في جميع الأحوال وتحرسهم عما يضرهم {ولملئت منهم رعبًا} بما شاهدت عليهم من آثار الأنوار التي زدناهم، ولجلاليب الهيبة والعظمة التي ألبسناهم {لبثنا يومًا أو بعض يوم} لأن أيام الوصال قصيرة، فما رأوا أنهم في دهشة الوصال وحياة الأحوال {قالوا ربكم أعلم بما لبثتم} لأنه كان حاضرًا معكم وأنتم غيب عنكم {فابعثوا أحدكم} من العجب أنهم ما احتاجوا مدة ثلثمائة وتسع سنين بما نالوا من غذاء الروح كقوله صلى الله عليه وسلم: «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» فلما رجعوا من عند الله الحق إلى عبدية أنفسهم احتاجوا إلى الغذاء الجسماني {أزكى طعامًا} لما رجعوا إلى العالم الجسماني، تعللوا من جمال الله بمشاهدة كل جميل وتوسلوا إلى تلك الملاطفات بلطافة الأغذية الجسمانية وزكائها. {ولا يشعرنّ بكم أحد} فيه أن أرباب المعرفة والمحبة يجب أن يحترزوا عن شعور أهل الغفلة والسلوة {ليعلموا أن وعد الله حق} بإحياء القلوب الميتة حق قدره، الأمر فيما أظهر وأبدى أو أسر وأخفى. {سيقولون} أن القوى والأركان الأصلية للإنسان {ثلاثة} الحيوانية والطبيعية والنفسانية التي منشؤهن القلب والكبد والدماغ. {رابعهم كلبهم} هو النفس الناطقة. {ويقولون خمسة} هو الحواس الظاهرة {سادسهم} النفس {ويقولون سبعة} هو الحواس الظاهرة مع الوهم المدرك للمعاني والخيال المدرك للصور {وثامنهم كلبهم} هو النفس المدرك للكليات {قل ربي أعلم بعدتهم} لأن القوى الباطنة والظاهرة وأفاعيلها وغاياتها لا يعلمهن إلا الله سبحانه ومن أطلعه الله عليه وذلك قوله: {ما يعلمهم إلا قليل} والله أعلم بالصواب. اهـ.

.تفسير الآيات (27- 28):

قوله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}.

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما تقرر أنه لا شك في قوله: ولا يقدر أحد أن يأتي بما يماثله فكيف بما ينافيه مع كونه مختصًا بتمام العلم وشمول القدرة، حسن تعقيبه بقوله عطفًا على {قل لله أعلم}: {واتل} أي اقرأ على وجه الملازمة {ما أوحي إليك} وبنى الفعل للمجهول لأن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو على القطع بأن الموحى إليه هو الله سبحانه وتعالى {من كتاب ربك} الذي أحسن تربيتك في قصة أهل الكهف وغيرها، على من رغب فيه غير ملتفت إلى غيره واتبعوا ما فيه واثقين بوعده ووعيده وإثباته ونفيه وعلى غيرهم.
ولما كان الحامل على الكف عن إبلاغ رسالة المرسل وجدان من ينقضها أو عمي على المرسل، قال تعالى: {لا مبدل لكلماته} فلا شك في وقوعها فلا عذر في التقصير في إبلاغها، والنسخ ليس بتبديل بهذا المعنى بل هو غاية لما كان {ولن تجد} أي بوجه من الوجوه {من دونه} أي أدنى منزلة من رتبته الشماء إلى آخر المنازل {ملتحدًا} أي ملجأ ومتحيزًا تميل إليه فيمنعك منه إن قصرت في ذلك.
ولما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شديد الحرص على إيمانهم كثير الأسف على توليهم عنه يكاد يبخع نفسه حسرة عليهم وكانوا يقولون له إذا رأوا مثل هذا الحق الذي لا يجدون له مدفعًا: لو طردت هؤلاء الفقراء وأبعدتهم عنك مثل عمار وصهيب وبلال فإنه يؤذينا ريح جبابهم ونأنف من مجالستهم جلسنا إليك وسمعنا منك ورجونا أن نتبعك، قال يرغبه في أتباعه مزهدًا فيمن عداهم كائنًا من كان، معلمًا أنه ليس فيهم ملجأ لمن خالف أمر الله وأنهم لا يريدون إلا تبديل كلمات الله فسيذلهم عن قريب ولا يجدون لهم ملتحدًا: {واصبر نفسك} أي احبسها وثبتها في تلاوته وتبيين معانيه {مع الذين يدعون ربهم} شكرًا لإحسانه، واعترافًا بامتنانه، وكنى عن المداومة بما يدل على البعث الذي كانت قصة أهل الكهف دليلًا عليه فقال تعالى: {بالغداة} أي التي الانتقال فيها من النوم إلى اليقظة كالانتقال من الموت إلى الحياة {والعشي} أي التي الانتقال فيها من اليقظة إلى النوم كالانتقال من الحياة إلى الموت؛ ثم مدحهم بقوله تعالى معللًا لدعائهم: {يريدون} أي بذلك {وجهه} لا غير ذلك في رجاء ثواب أو خوف عقاب وإن كانوا في غاية الرثاثة، وأكد ذلك بالنهي عن ضده فقال مؤكدًا للمعنى لقصر الفعل وتضمينه فعلًا آخر: {ولا تعد عيناك} علوًا ونبوءًا وتجاوزًا {عنهم} إلى غيرهم، أي لا تعرض عنهم، حال كونك {تريد زينة الحياة الدنيا} التي قدمنا في هذه السورة أنا زينا بها الأرض لنبلوهم بذلك، فإنهم وإن كانوا اليوم عند هؤلاء مؤخرين فهم عند الملك الأعلى مقدمون، وليكونن عن قريب- إذا بعثنا من نريد من العباد بالحياة من برزخ الجهل- في الطبقة العليا من أهل العز، وأما بعد البعث الحقيقي فلتكونن لهم مواكب يهاب الدنو منها كما كان لأهل الكهف بعد بعثهم من هذه الرقدة بعد أن كانوا في حياتهم قبلها هاربين مستخفين في غاية الخوف والذل، وأما إن عدّت العينان أحدًا لما غفل عنه من الذكر، وأحل به من الشكر، فليس ذلك من النهي في شيء لأنه لم يرد به الإ الآخرة.
ولما بلغ في أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمجالسة المسلمين، نهاه عن الالتفات إلى الغافلين، وأكد الإعراض عن الناكبين فقال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا} بعظمتنا {قلبه} أي جعلناه غافلًا، لأن الفعل فيه لنا لا له {عن ذكرنا} بتلك الزينة.
ولما كان التقدير: فغفل، لأن عظمتنا لا يغلبها شيء فلا يكون إلا ما نريد، عطف على فعل المطاوعة قوله تعالى: {واتبع هواه} بالميل إلى ما استدرجناه به منها والأنفة من مجالسة أوليائنا الذين أكرمناهم بالحماية منها لأن ذكر الله مطلع الأنوار، فإذا أفلت الأنوار تراكمت الظلمة فجاء الهوى فأقبل على الخلق {وكان أمره فرطًا} أي متجاوزًا للحد مسرفًا فيه متقدمًا على الحق، فيكون الحق منبوذًا به وراء الظهر مفرطًا فيه بالتقصير فإن ربك سبحانه سينجي أتباعك على ضعفهم منهم كما أنجى أصحاب الكهف، ويزيدك بأن يعليهم عليهم ويدفع الجبابرة في أيديهم لأنهم مقبلون على الله معرضون عما سواه، وغيرهم مقبل على غيره معرض عنه. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{وفجرنا} بالتخفيف: سهل ويعقوب غير رويس {له ثمر} وكذا {بثمره} بفتح الثاء والميم: يزيد. وعاصم وسهل ويعقوب وأبو عامر: بضم الثاء وإسكان الميم. الباقون بضم الثاء والميم جميعًا {منها} على الوحدة: أبو عمرو وسهل ويعقوب وعاصم وحمزة وعلي وخلف. الآخرون على التثنية {لكن} بالتشديد من غير ألف في الحالين: قتيبة وابن عامر وابن فليح ويعقوب بالألف في الوصل. الباقون بغير الألف واتفقوا على الألف في الوقف {بربي أحد} مفتوحة الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو. {أن ترني} فتح الياء: السرانديبي عن قنبل {غورًا} بضم الغين وكذلك في {الملك} البرجمي الباقون بفتحها. {ولم يكن له} بياء الغيبة {الولاية} بكسر الواو: حمزة وعلي وخلف. الآخرون بتاء التأنيث وفتح الواو {لله الحق} بالرفع: أبو عمرو وعلي. الآخرون بالجر {عقبًا} بسكون القاف: عاصم وحمزة وخلف. الباقون بضمها {الريح} على التوحيد: حمزة وعلي وخلف.

.الوقوف:

{من كتاب ربك} ط لاختلاف الجملتين {ملتحدًا} o {عنهم} ج لأن ما بعده يصلح حالًا واستفهامًا محذوف الألف لدلالة حال العتاب. {فرطًا} o {فليكفر} لا لأن الأمر للتهديد بدليل {إنا أعتدنا} فلو فصل صار مطلقًا {نارًا}، لأن ما بعده صفة {سرادقها} ط {الوجوه} ط {الشراب} ط {مرتفقًا} o {عملًا} ج o لاحتمال كون {أولئك} مع ما بعده خبر {إن الذين} وقوله: {إنا لا نضيف} جملة معترضة {الأرائك} ط {الثواب} ط {مرتفقًا} o {زرعًا} o، ط {شيئًا} لا للعطف {نهرًا} o ط {ثمر} ج للعدول مع الفاء {نفرًا}، ج {لنفسه} ج لاتحاد العامل بلا عطف {أبدًا} o ط {قائمة} لا لأن ما بعده شك من قول الكافر في البعث {منقلبًا} o {رجلًا}، o ط لتمام الاستفهام {أحدًا} o {ما شاء الله} لا لاتمام المقول {إلا بالله} ج لابتداء الشرط المحذوف جوابه مع اتحاد القائل والمقول له {وولدًا} o، ج لاحتمال كون ما بعده جوابًا للشرط {زلقًا} o {طلبًا} o {أحدًا} o {منتصرا}، ط وقيل: يوقف على {هنالك} والأوجه أن يبتدأ ب {هنالك} أي عند ذلك يظهر لكل شاك سلطان الله ونفاد أمره {الحق} ط على القراءتين {عقبًا} o {الرياح} ط {مقتدرًا} o {زينة الحياة الدنيا} ج مفصلًا بين المعجل الفاني والمؤجل الباقي مع اتفاق الجملتين {أملًا}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)}.
اعلم أن من هذه الآية إلى قصة موسى والخضر كلام واحد في قصة واحدة، وذلك أن أكابر كفار قريش احتجوا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أردت أن نؤمن بك فاطرد من عندك هؤلاء الفقراء الذين آمنوا بك والله تعالى نهاه عن ذلك ومنعه عنه وأطنب في جملة هذه الآيات في بيان أن الذي اقترحوه والتمسوه مطلوب فاسد واقتراح باطل، ثم إنه تعالى جعل الأصل في هذا الباب شيئًا واحدًا وهو أن يواظب على تلاوة الكتاب الذي أوحاه الله إليه وعلى العمل به وأن لا يلتفت إلى اقتراح المقترحين وتعنت المتعنتين فقال: {واتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِن كتاب رَبّكَ} وفي الآية مسألة وهي: أن قوله: {اتل} يتناول القراءة ويتناول الإتباع فيكون المعنى الزم قراءة الكتاب الذي أوحى إليك والزم العمل به ثم قال: {لاَ مُبَدّلَ لكلماته} أي يمتنع تطرق التغيير والتبديل إليه وهذه الآية يمكن التمسك بها في إثبات أن تخصيص النص بالقياس غير جائز لأن قوله: {اتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ كتاب رَبّكَ} معناه ألزم العمل بمقتضى هذا الكتاب وذلك يقتضي وجوب العمل بمقتضى ظاهره، فإن قيل فيجب ألا يتطرق النسخ إليه قلنا هذا هو مذهب أبي مسلم الأصفهاني فليس يبعد، وأيضًا فالنسخ في الحقيقة ليس بتبديل لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ فالناسخ كالغاية فكيف يكون تبديلًا.